الفصل الأول
صياغة وتفسير اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات
يندر أن يوجد عقد من العقود الدولية للإنشاءات يخلو من اتفاق التحكيم وعلى الرغم من ذلك فإن التحكيم فى هذه العقود لا يقوم بالدور الفعال والحاسم فى فض منازعات تلك العقود ، وترجع عدم فاعلية التحكيم فى العقود الى مرحلة المفاوضات وما يجرى خلالها حيث يسيطر عليها المهندسون والفنيون وبالتالى فانهم يعطون جل اهتمامهم لتفصيل الجوانب الفنية . بينما يتفقون على شرط التحكيم كشرط نمطى أو بالاحرى كتحصيل حاصل ، ومن هنا يأتى الدور غير الفعال للتحكيم فى هذه العقود ، ومن ثم فان عدم فاعلية التحكيم فى هذا المجال ترجع ـ فى السواد الاعظم من الحالات ـ الى العيوب التى تحتوى صياغة اتفاق التحكيم فى هذا الخصوص ولذا فقد بات من الضرورى العناية التامة بصياغة اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للانشاءات حتى يستطيع التحكيم القيام بالدور الفعال المأمول منه فى فض منازعات هذه العقود على نحو أفضل من وسائل فض المنازعات الاخرى هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى يجب الاهتمام بتفسير اتفاق التحكيم كما يجب توخى الحيطة والحذر عند القيام بالتفسير وذلك للكشف عن القصد الحقيقى لأطراف هذا الاتفاق والوقوف عند هذا القصد دون تجاوزه (1) .
ولهذا نقسم هذا الفصل الى مبحثين نعالج فى المبحث الأول صياغة اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات ، ونتناول فى المبحث الثانى تفسير الاتفاق على التحكيم وإثباته.
المبحث الأول : صياغة اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات .
المبحث الثانى : تفسير الاتفاق على التحكيم وإثباته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد حسان حافظ مطاوع ـ مرجع سابق صـ363 .
المبحث الأول
صياغة اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات
إن صياغة اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات يقتضى منا أولاً : التعريف بالصياغة القانونية وثانيا : عرض أهم الموضوعات التى يجب أن يشملها اتفاق التحكيم حتى يجئ هذا معبرا عن القصد الحقيقى لأطرافه ومنجزا لأثاره القانونية الموجودة منه .
أولاً : التعريف بالصياغة القانونية .
ثانياً : صعوبات صياغة بنود اتفاق التحكيم .
وسنعرض لهاتين النقطتين على النحو الأتى :
أولا: تعريف الصياغة القانونية
الصياغة ـ بصفة عامة ـ هى الأداة التى يجرى بمقتضاها نقل التفكير القانونى من الحيز الداخلى الى الحيز الخارجى ، فهى ببساطة أداة للتعبير عن فكرة كامنة لتصبح حقيقة اجتماعية يجرى التعامل على اساسها وبالتطبيق لذلك فأن صياغة العقد تعنى التعبير عما يريده أطرافه بطريقة تنقل المعنى المراد مما يقيم تواصلاً بينهم ، وكلما إلتزمت الصياغة بالأصول التى تكفل تحقيق هذا الهدف كلما تضائل إحتمال نشوء منازعات بين طرفى العقد ، وتنعدم الحاجة بالتالى الى اللجوء الى وسائل تسويتها . (1)
وأطراف العقد يرغبون عادة تجنب سلوك التقاضى ، فإن القائم بالصياغة يمكن أن يساعد فى تحقيق هذه الرغبة عن طريق التنبؤ بنقاط الخلاف ومحالة وأدها أى تسويتها فى المهد لدى صياغة العقد ومن الواضح صياغة محرر ما تفترض استخدام لغة معينة فى الكتابة الأمر الذى يتطلب من القائم بالصياغة أن يضع فى اعتباره المعانى المختلفة سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد شرف الدين ، أصول الصياغة القانونية للعقود ، بدون دار نشر ، صـ 16 .
الظاهرة أو المضمرة ، ويحدد بدقة المعنى المطلوب التعبير عنه لهذا فان القائم بالصياغة يحتاج الى وقت كاف لكى يضمن تطابق الكلمات المختارة مع المفاهيم المراد التعبير عنها وترجع أهمية انتقاء الكلمات فى الصياغة القانونية الى ان أداة كل مهنة فى عملها تتحدد فى ضوء طبيعة عملها ، فهى بالنسبة للمحاسب الأرقام وبالنسبة للكميائى الرموز ، أما بالنسبة لرجل القانون فان أداة عمله الرئيسية هى الكلمات والجمل وعلامات فصل الكلام ، لهذا يجب الاعتناء باختيار الكلمات لدى الصياغة القانونية والتدقيق فى اختيار الاسماء لتتطابق مع مسمياتها الحقيقة ، فالكلمات هى مفتاح الافكار ، لذلك يتعين الاختيار بين الكلمات التى وأن أمكن أن يؤدى ظاهرا الى معانى متقاربة إلا أنها تختلف فى المعنى فى المصطلح القانونى الدقيق ، وذلك مثل البطلان والانعدام والفسخ والانفساخ فهى تشير الى زوال العمل القانونى محل البحث ولكن عناصرها وأثارها تجعل لكل كلمة منها معنى مختلف الأمر الذى يلزم القائم بالصياغة التدقيق فى اختيار المصطلح الذى يعبر عن حقيقة المعنى المراد (1) .
لذلك فإن حسن إختيار أدوات الصياغة يعد من لوازم صحتها ومن المفروض أن يكون رجل القانون على دراية بقواعد اللغة التى يكتب بها أعماله ، وهو ما سبق أن تلقاه فى دور العلم واستخدامه فى مجالات أخرى ، أما فى المجال القانونى فإن قيام رجل القانون بصياغة أعماله تتطلب فضلا عن معرفة قواعد اللغة ، قدرته على اختيار الكلمات التى تكفل للصياغة أداء وظيفتها فى نقل الأفكار الى الآخرين بحث تصل الفكرة الى من توجه اليه بالمعنى المراد ومن هنا يلزم مراعاة الدقة فى عرض الافكار بحيث لا يتغير معنى الكلمة عند اتصالها بعلم الآخرين (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد حسان حافظ مطاوع ـ مرجع سابق صـ 365 .
(2) د/ أحمد شرف الدين ـ مرجع سابق صـ 16 .
ويجب أن يعلم أطراف العقد أن أيه كلمة فى العقد أيا كان موقعها إنما تعنى شيئا معينا وليس من السهل أن تسلم بأن كلمة ما إنما وردت فى العقد اعمالا لمتطلبات البلاغة أو حسن الكلام (1) .
ولكى تحقيق الصياغة لأهم أهدافها وهو إنجاز العمل المطلوب صياغته يتطلب بناء العقد بأسلوب واضح وبسيط ولكنه فى نفس الوقت منضبط وذلك كله فى حدود ما يسمح به النظام القانونى ذو الصلة بموضوع العقد . وينبغى أن ندرك أن الصياغة خليط من الفن والعلم ، وانه اذا كان يمكن تعلم مبادئ الصياغة فانة من الصعب التمكن من الصياغة ولسوء الحظ أن كلا من القائمين بالصياغة القانونية من غير المتخصصين فى هذا المجال لا يقدرون قيمة فنون الصياغة الجديدة فرب العمل لا يهمه ما يبذل للوصول الى الصياغة النهائية للعقد بقدر ما يهمه سرعة أنجاز العمل المطلوب ، وكذلك فإن التبسيط المخل بوظيفة الصياغة هو نتيجة حتمية للجهل بأصولها ، وفى جميع الأحوال فإنه من الصعب اقناع أصحاب مهنة المحاماة بصفة عامة ، بأن الصياغة تحتاج الى مهارات خاصة وبالتالى الى ممارسات مستمرة وخبرة مكثفة وقد ترتب على ذلك أن سـاد الاعتقاد بان الصياغـة لا تعدو أن تكـون تمرينا لغويا ليس له أهمية فى الحياة العملية وهو اعتقاد يكذبه الواقع العملى الذى تشهده قاعـــات المحاكــم وهيئــات التحكيـم ناهيك عن الخسائـر المحققة التى يتكبدها ذلك المتعاقــد الذى أهمل فى الاستعانة بخبـراء الصياغـة لكفالـة توازن المصالح فى العملية العقـدية ، وهو ما تعانى منه الدول النامية .(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد حسان حافظ ـ مرجع سابق صـ 366.
(2) د/ أحمد شرف الدين ـ مرجع سابق صـ 21.
ثانيا: صعوبات صياغة بنود اتفاق التحكيم
إن أهم الصعوبات التى تواجه المستشار القانونى أثناء صياغة اتفاق التحكيم الحصول على معلومات حول أطراف العقد من التحكيم من ناحية وحول النظم الرئيسية للتحكيم المؤسسى والمبادئ المشتركة فى التحكيم والاتفاقيات الدولية المتعلقة بأحكام التحكيم الأجنبية من ناحية أخرى ، فإذا كانت العلاقة التعاقدية تربط بين أطراف من بينها دولة نامية فينبغى التعرف على ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تقوم بدور بارز فى تحديد موقفها من أساليب تسوية المنازعات مع الأجانب ، ويسعى المستشار القانونى الى الحصول على هذه المعلومات من كافة المصادر المتاحة كأحكام التحكيم الصادرة فى منازعاتها السابقة وكمراجع الاتفاقيات الدولية ليستخلص منها مدى ارتباط الدولة المذكورة بها ، وقد ترد بنود اتفاق التحكيم فى صورة شرط تحكيم فى العقود طويلة المدة كوسيلة لفض منازعاتها المحتملة وقد يرد فى صورة اتفاق لاحق على حدوث المنازعة (مشارطه التحكيم ) (1) .
ويجب أن يكون اتفاق التحكيم أو ( شرط التحكيم ) واضحا ، وأن يكون مستوفيا لموضوع النزاع ذاته ، وعلى الرغم من علم الأطراف بذلك إلا أنهم غالبا لا يعتنون بصياغتة صياغة جيدة ، لانه فى أغلب الاحيان يظهر اتفاق التحكيم فى نهاية العقد مما يجعل المتعاقدين الذين أنهكهم التفاوض يمرون عليه مر الكرام ، بالاضافة الى أن العقد وما يتضمنه من شرط التحكيم يكون فى هذه اللحظات بمثابة ( شهر عسل )
بين الأطراف يحيطه تفاؤل كبير تبدو معه الخلافات على أنها غير واردة بل ومستبعدة ولكن عندما ينشب النزاع يصبح شرط التحكيم ـ بعد ثبات عميق لسنوات عديدة ـ فجأة أهم شرط فى العقد وينتبه الأطراف عندئذ الى أنهم لم يولوا صياغة هذا الاتفاق ما يستحقه من عناية (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / أحمد حسان حافظ مطاوع ـ مرجع سابق صـ 367.
(2) د / ناريمان عبد القادر ـ مرجع سابق صـ 247 وما بعدها .
ويمكن رد الموضوعات التى ينبغى على المستشار القانونى معالجتها الى ثلاثة موضوعات أساسية هى : 1ـ تحديد نطاق النزاع .
2ـ تشكيل هيئة التحكيم .
3ـ القواعد الإجرائية والموضوعية لحين صدور الحكم وتنفيذه .
ويتفرع عن هذه الموضوعات مسائل عديدة ، منها نوع التحكيم المختار وتعيين المحكمين وقواعد الاجراءات والقانون المطبق على موضوع النزاع واللغة المستخدمة ومدة التحكيم وتكالفيه وصدور الحكم وإمكانية اللجوء الى المحاكم الداخلية لاستصدار أوامر وقتية أو الطعن فى الحكم وأخيرا تفسير الحكم وتنفيذه (1) .
ويرى بعض الفقه المقارن وايضا على المستوى العملى أن اتفاق التحكيم يكون جيدا عندما يستوفى الشروط التالية :
أ ـ أن يكون اتفاق التحكيم مستوفياً لموضوع النزاع ، فيجب أن يشمل جميع مشاكل التحكيم المتوقعة والعمل على استبعاد أو تقليل ـ الى اقصى حد ـ نقاط الشك والمفاجآت .
ب ـ أن ينتج الاتفاق أثرا الزاميا لاطرافه ولا يجب أن يترك المسألة لاتفاق لاحق بين الأطراف أو لموافقة جديدة من أحدهم .
جـ - يستبعد الاتفاق اى تدخل من جانب محاكم الدولة لتسوية النزاع ، على الاقل قبل صدور قرار التحكيم .
د ـ أن يخول الاتفاق للمحكمين السلطة لحسم الخلافات التى تحال اليهم .
هـ - أن يكون قرار التحكيم قابلا للتنفيذ الجبرى بسرعة وفاعلية (2) .
و الجدير بالذكر أنه لا يوجد نموذج موحد لصياغة بنود اتفاق التحكيم يتسق مع خصوصيات كل عقد من العقود الدولية ويشبع حاجات أطرافها ويتفق مع مواقفها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / أحمد شرف الدين ، دراسات فى التحكيم فى منازعات العقود الدولية . بدون ناشر ، صـ 25 وما بعدها .
(2) د / ناريمان عبد القادر ـ مرجع سابق صـ 348 .
المعروفة ففضلا عن اختلاف مواقف الدول من قواعد التحكيم فانها تختلف ايضا من حيث مقتضيات النظام العام بالنسبة لكل موضوع ولذلك فان الصياغة الخاصة لبنود اتفاق التحكيم تتحدد فى ضوء خصوصيات العلاقة التعاقدية وظروف أطرافها (1) .
الموضوعات التى يجب أن يشملها إتفاق التحكيم
1 ـ حسم النزاع عن طريق التحكيم :
وقد يعطى شرط التحكيم الاختصاص لحل النزاع لمحكمة الدولة بينما يقرر الاتفاق أنه " احتياطيا" إتفاق الاطراف على احالة خلافاتهم الى التحكيم بغرفة التجارة الدولية "CCI " بباريس ، ويثور السؤال حول المعنى الصحيح لعبارة " احتياطياً " فاذا لجأ الاطراف للتحكيم فماذا سيكون الوضع القانونى اذا رفع احد الاطراف الامر الى محكمة الدولة فى حين أن الطرف الآخر يطلب التحكيم من غرفة التجارة الدولية "CCI" (2)
لذا يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا بطريقة صريحة واضحة لا غموض فيها وقاطعة بأن يعهد للمحكم أو المحكمين حسب الأحوال سلطة الفصل فى النزاع القائم أو المحتمل بين الأطراف يجب أن يخول إتفاق التحكيم للمحكمين سلطة الفصل فى النزاع بصورة قاطعة لا لبس فيها ، فيجب أن يحال النزاع للتحكيم وجوباً مع إستبعاد أية طريقة للتسوية (3) .
2ـ تحديد نطاق موضوع النزاع :
تختلف صياغة اتفاق التحكيم فى هذه النقطة بحسب ما إذا كان يراد تحديد موضوع معين ليعرض على هيئة التحكيم ، أو كانت نيه الاطراف متجهة الى بسط اتفاق التحكيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد شرف الدين : مرجع سابق ، صـ 25 .
(2) د / ناريمان عبد القادر ، مرجع سابق صـ 350.
(3) د / أحمد حسان حافظ ـ مرجع سابق صـ 369.
على كل المنازعات المتعلقة بالعقد ، وبهذا التحديد تستطيع هيئة التحكيم أن تقف على حدود اختصاصها فلا تتعداه والا كان حكمها باطلا .
بيد أنه يفضل أن يتم تحديد المنازعات بأسلوب واسع مخالفة أن تفلت بعض المنازعات من الموضوع من الخضوع للتحكيم . وبناء علية يفضل أن تكون الصيغة على النحو التالى " يخضع للتحكيم كل المنازعات المتعلقة بهذا العقد " وذلك حتى تشمل جميع
المنازعات سواء المتعلقة بالتفسير أو التنفيذ أو عدم التنفيذ أو عدم التنفيذ بصيغة عامة أو حتى المنازعات المتعلقة بالعقد الأصلى ذاته (1) .
3ـ نوع التحكيم المختار :
يصاغ اتفاق التحكيم فى ضوء اختيار أطراف النزاع لطريقة التحكيم الحر أو الخاص (Ad hoc) أو لطريقة التحكيم المؤسسى (Arbitrage institutional) ففى الحالة الأولى يتعين على المستشار القانونى أن يصيغ اتفاق التحكيم بطريقة تعكس رغبة أطراف النزاع فى كيفية التواصل الى تسوية ، ولذلك فان تفصيلات هذا الاتفاق تختلف من حالة لاخرى باختلاف خصوصيات كل نزاع وتباين رغبات طرفيه . أما فى التحكيم المؤسسى فان الاحالة اليه تعنى فى الاصل الأخذ بقواعده الموحدة إلا اذا أجاز النظام مخالفتها ومثل هذه الاحالة تعفى المستشار القانونى من التصدى لكل تفصيلات اتفاق التحكيم اكتفاء بما ورد فى شأنها فى نظام التحكيم المؤسسى المختار ولا شك أن الأخذ بنظام تحكيم مؤسسى يتميز عن التحكيم الخاص فى أنه على حين أن الاتفاق على هذا الأخير قد يغفل تنظيم بعض المسائل . فان النظام الأول يضع تنظيما مسبقاً ومفصلا لمعظم مسائل التحكيم هذا فضلا على أن التحكيم المؤسسى يقدم خدمات جهة متخصصة فى مراقبة سير الاجراءات (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / أحمد شرف الدين : دراسات فى التحكيم فى منازعات العقود الدولية ـ مرجع سابق صـ 26.
(2) د / أحمد حسان حافظ ـ مرجع سابق صـ 370 وما بعدها .
وتتميز الاحالة الى تحكيم مؤسسى يترتب عليها الاخذ بما ورد فى نظامه القانونى فيما يتعلق بطريقة اختيار المحكمين والقواعد القانونية الواجبة التطبيق هذا الا اذا اتفق على خلافها ، ومن الممكن أن يتولى الاطراف بانفسهم تنظيم سير الاجراءات مع الاتفاق على تخويل ادارة تحكيم مؤسسى معين مهمة رعايتها كما انه من المتصور ان يختار الاطراف تنظيم الاجراءات وفقا لقواعد تنظيم دولى معين مثل نظام اليونسترال للتحكيم على أن يقوم جهاز تحكيم مؤسسى أخر برعاية الإجراءات ، اذا اتفق الاطراف على جواز تعديل بعض احكام لائحة نظام التحكيم التى وقعت عليها الاختيار ، فيجب الا يكون التعديل مما يترتب عليه تشويه أو تحريف لهذا النوع من التحكيم أو أن يضع التحكيم فى صورة خارج اطار التحكيم النظامى ويصبح بذلك دور هذه الغرفة محدوداً كسلطة تعيين المحكمين (1) .
ويعتبر شرط التحكيم الاكثر خطورة هو ما يسمى فى العمل " شرط التحكيم على بياض " أو " شرط على بياض " بمعنى ان الشرط ينص على ان يسوى النزاع عن طريق التحكيم ولكن دون تحديد لاى بند من بنود التحكيم ويثير هذا النوع من الشروط الكثير من المشاكل نظراً للخلافات التى قد تثور بين الاطراف فيما بعد سواء فيما يتعلق بتعيين المحكمين أو تنظيم الاجراءات ونحو ذلك (2) .
4ـ تشكيل هيئة التحكيم :
يجب ان يكون اتفاق التحكيم واضحا ومحدداً من حيث تشكيل هيئة التحكيم فاذا شكلت الهيئة بصورة غير قانونية وبصورة لا تعكس حقيقة رغبة الاطراف فى هذا التشكيل يترتب على ذلك عدم تنفيذ قرار هيئة التحكيم ، لضمان الاداء الفعال لاجراءات التحكيم ولتيسير عملية اتخاذ القرارات يكون من الافضل تحديد عدد فردى للمحكمين ويتمخض اسلوب اختيار المحكم الفرد عن اقتصاد فى النفقات ولكن هذا الاسلوب لا يكفل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / أحمد شرف الدين : دراسات فى التحكيم فى منازعات العقود الدولية ـ مرجع سابق صـ 26.
(2) د / أحمد حسان حافظ ـ مرجع سابق صـ 371 .
تمثيل الخلفيات الثقافية لاطراف النزاع فى حالة تعددهم ولذلك فان الذى يجرى عليه العمل هو تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين يختار كل من الطرفين محكمه ثم يتفقا على المحكم الثالث الذى يكون فى العادة رئيس الهيئة ويتعين الاتفاق على جنسية المحكم الفرد أو المحكم الثالث (1) .
الواقع أن تشكيل الهيئة في بداية الاتفاق يكون له محل إذا كان النزاع قد وقع فعلا أما الاتفاق في مرحله مبكره قبل وقوع أي نزاع فلا يستدعي تعيين اعضاء هيئة التحكيم ولا يجري عادةً هذا التعيين إلا بمناسبة وقوع النزاع ومحاكم الدولة لا تتدخل في التعيين إلا عند عدم امكان الاتفاق بين الاطراف علي اسماء المحكمين أو بعضهم .
وقد جري العرف الدولي علي تحديد جهة معينه للمساعدة في تعيين المحكم الفرد أو المحكم الثالث في حالة اخفاق الأطراف في الاتفاق عليه ومن الافضل أن تكون هذه الجهة هي نفسها التي ترعي أثار التحكيم والسلطة المخولة بالتعيين يمكن أن تتمثل في إدارة تحكيم مؤسسي معين كغرفة التجارة الدولية بباريس أو رئيس هيئة قضائية مختاره أو شخصية مرموقه تحمل جنسية دوله ثالثه أما بالنسبة لشروط عضو هيئة التحكيم فإنها تتركز في الكفائة والخبرة وبالنسبة للمحكم الثالث فإن ضمان حياده يتطلب تمتعه بجنسية أخري غير جنسيات أطراف النزاع (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر ـ مرجع سابق صـ 353 وما بعدها .
(2) د / أحمد شرف الدين : دراسات فى التحكيم فى منازعات العقود الدولية ـ مرجع سابق صـ 27 وما بعدها .
5- حدود إختصاص المحكمين :
يجب أن يحدد بعناية إختصاص المحكمين فى إتفاق التحكيم خاصة فى القوانين التى تنظر للتحكيم على أنه إستثناء وتضع تفسيراً ضيقاً لإتفاق التحكيم ، فأى تجاوز من جانب هيئة التحكيم لحدود مهمتها سيفسر بشكل ضيق يترتب عليه بطلان قرارها على الاقل فى جزء منها ، وتختلف صياغة إتفاق التحكيم فى هذه المسألة بحسب ما إذا كان يراد تحديد موضوع مخصوص ليعرض على هيئة التحكيم أو كانت نية الأطراف متجهة الى بسط شرط التحكيم على كل المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد ، وبهذا التحديد تستطيع هيئة التحكيم أن تقف على حدود إختصاصها فلا تتعداها وإلا كان قرارها باطلاً (1) .
6 – إجراءات سير التحكيم
يتضمن اتفاق التحكيم الجيد تنظيم اجراءات سير التحكيم وهي القواعد التفصيلية الواجبة التطبيق علي اجراءات سير المنازعه من وقت تقديم الطلب الي حين صدور الحكم فيها (2).
وكذلك من المفيد تنظيم قواعد سير المرافعات وميعاد تقديم المستندات والشهود حسب الاحوال – قد يكون من المناسب أو غير المناسب - قبول سماع الشهود (بإقرارات كتابيه مؤيده بحلف اليمين ) أو طريقة استجواب عن طريق توجيه الاسئلة للشهود .....الخ والانابه في الحضور وتنحي المحكمين وكذلك الشروط الخاصة التي تسمح بالاحكام الجزئية وانقطاع سير الخصومة والخبرة الفنية المطلوبة في هذا الصدد والتي يتوقف عليها غالبا مصير التحكيم وتسبيب القرار وإمكانات الطعن فيه وغير ذلك من الاجراءات (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر ـ مرجع سابق صـ 354 .
(2) د / أحمد شرف الدين – دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية ، مرجع سابق ، صـ 28 .
(3) د / ناريمان عبد القادر ـ مرجع سابق صـ 362 .
تختلف الاجراءات التي يتبعها المحكمون بحسب نوع التحكيم وبعبارة أخري فان اجراءات التحكيم تختلف حسبما اذا كان التحكيم المختار تحكيم خاص او تحكيم مؤسسي وفيما يتعلق بالتحكيم المؤسسي فمن البديهي أنه عندما يختار الاطراف مؤسسة معينه لكي تدير التحكيم فان نظام هذه المؤسسة الموضوع من قبل يطبق بقوة القانون ومن ثم فهذا النظام لا يثير ادني مشكله لان اختيار الاطراف لمؤسسة ما يعني انهم وافقوا علي تطبيق نظامها فيما يتعلق بإجراءات التحكيم .
وذهب بعض الفقه الي تفضيل الاحالة الي النظام الموضوع بواسطة الامم المتحدة والمعروف باسم اليونسترال لأنه عبارة عن تأليف ومزج منسق بين عدد معين من القوانين ونظم التحكيم المطبقة في العالم (1) .
أما فيما يتعلق بالتحكيم الخاص يستطيع الاطراف الاختيار بين حلين الاول ان يقوموا هم انفسهم بتحديد الاجراءات الضرورية ويتركوا الاجراءات الأخرى يحددها المحكمون انفسهم الثاني أن يقوموا باختيار اجراءات موضوعة ، من قبل سواء في قانون وطني معين أو لدي مؤسسه من مؤسسات التحكيم الدائمة .
ومن صفات الصياغة الجيدة لاتفاق التحكيم ( مشارطة التحكيم ) أن يتفق الاطراف علي مدة محددة لاجراءات التحكيم فيجب عليهم الاتفاق علي الحد الاقصي لمدة التحكيم مع النص علي امكانية مدها في حالة الضرورة اما اذا احيل النزاع الي مؤسسة تحكيم دائمة فان مدة الاجراءات تتحدد وفقا لنظامها القانوني (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر – المرجع السابق – ص 361 وما بعدها .
(2) د/ أحمد حسان حافظ – مرجع سابق – ص 372 وما بعدها .
7 – القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع
الاصل في التحكيم الخاص ان يتحدد القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع باختيار اطراف العقد بقانون له صله بعناصره ومن الممكن ان يحدد الاطراف هذا القانون مباشرةً او ان تجري الاحالة علي قواعد تنازع القوانين في دولة معينه ويراعي هنا ان بعض الدول النامية وان كانت تحرص علي اختيار قانونها الداخلي ليطبق علي النزاعات المحتملة مع الاطراف الاجانب الا ان صياغة بند القانون المطبق قد ترد في صوره تسمح بتطبيق قواعد اخري كالقانون الدولي في حالات معينة أو تعلق تطبيق القانون الداخلي علي شرط اتساقه مع مبادئ القانون الدولي وفي جميع الحالات يقوم المستشار القانوني بصياغة هذا البند ليعبر دون لبس عن رغبة الاطراف الا ان الغموض الذي قد يحيط بمثل هذا البند يمكن ان يسبب اشكالات امام هيئة التحكيم التي قد تختار تطبيق قانون معين لم يكن احد طرفي النزاع يتوقع تطبيقه (1) .
ويجوز لأطراف العقد تخويل هيئة التحكيم سلطة اختيار القانون المناسب فاذا صيغي البند علي هذا النحو فان هيئة التحكيم تختار القانون المطبق في ضوء خصوصيات العقد ومؤشراته وهي عادة ما تطبق القانون الاكثر ارتباطا بموضوع النزاع ويمكن تحديد هذا القانون بالرجوع الي قواعد تنازع القوانين في قانون مقر التحكيم (2) .
واذا احيل النزاع الي هيئة تحكيم مؤسسي فقد يختار اطراف النزاع تطبيق القانون الذي يدل عليه نظام هذه الهيئة ، وقد يتفق الاطراف علي تطبيق العادات السارية في مجال معين ، أو الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدل والإنصاف ، وأخيرا يمكن صياغة البند علي نحو يفوض به المحكم بالصلح دون التقيد بقواعد قانونية بحته . ويتعين ان يراعي ان بعض الانظمة القانونية لا تسمح بهذه السلطة للمحكمين ، كما يتعين الاحتياط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر – المرجع السابق – ص 357
(2) د / أحمد شرف الدين – دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية – ص20
لمثل هذا التفويض الذي قد يفسر بطرق مختلفة مما يترتب عليه تعقيد النزاع دون تسويه (1) .
ويجب ان يوضح عند صياغة بند القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع أن المقصد هو تطبيق القواعد الموضوعية في هذا القانون وليس قواعد تنازع القوانين ، كما أن تحديد القانون الواجب التطبيق فى إتفاق التحكيم يساعد على إختيار أكثر المحكمين تأهيلاً لتطبيق هذا القانون على النزاع (2) .
8 – مكان التحكيم
من شروط التحكيم الجيد أن يحدد في الاتفاق مكان التحكيم مباشرة أو ان يعطي الاختصاص بتعيينه لهيئة التحكيم ، ويتعين أن يجري ذلك بعد دراسة جادة متأنية للقانون الساري في هذا المكان لان القانون هو بالفعل القانون الذي سيحدد وجوبا حدود تدخل محاكم الدولة في التحكيم قبل صدور القرار أو بعده (3)
وغني عن البيان أن تحديد مكان التحكيم يؤثر في بعض الحالات في القانون المطبق علي اجراءات سير المنازعة وموضوعها ،الأمر الذي يستدعي التدقيق في اختياره .
وقد يري الطرفان أنه من المستحسن اختيار مكان يوفر فيه قانون التحكيم اطارا قانونيا مناسبا لتسوية المنازعات الدولية وفق احكامه ، وقد يتفق الطرفان علي ان يتم التحكيم في بلد الطرف الذي تقام ضده المطالبة ، اذ ان الحكم الذي يصدر ضد هذا الاخير في بلده لن يواجه تنفيذه في ذلك البلد ما يرتبط بتنفيذ حكم اجنبي من مشاكل .
ويجب ايضا أن يتم التحكيم في إحدي الدول التي وقعت علي اتفاقية نيويورك 1958 اذا اريد ان يكون القرار لتحكيم مشمول بالنفاذ في الخارج ، في الدول الموقعة علي هذه الاتفاقية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ) د / أحمد شرف الدين – دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية ، مرجع سابق ، صـ21 وما بعدها .
(2) د/ أحمد حسان حافظ – مرجع سابق – ص 375
(3) د / ناريمان عبد القادر – المرجع السابق – ص 355
وتظهر ايضا اهمية اختيار مكان التحكيم حيث انه هو الذي يقرر احيان نهاية التحكيم وعلي سبيل المثال إن اختيار لندن أو قبرص مكانا للتحكيم يمكن ان يؤدي الي تطبيق مواعيد للتقادم اقصر من غيرها من البلدان الأخري ، ولهذه الاسباب فالاختيار مكان التحكيم أهميه كبري من حيث مصير قرار التحكيم المرتقب ومستقبله (1) .
9 – لغة التحكيم
من الافضل تحديد الاطراف لغة التحكيم وذلك لان ترجمة المستندات والوثائق ، خاصة في القضايا الكبيرة ، يحمل الاطراف نفقات ماليه بخلاف الوقت الذ ي تستغرقه هذه الترجمة ، بالإضافة الي ان الترجمة غالبا ما تخرج عن المعني الحقيقي للألفاظ خاصة بالنسبة للمصطلحات القانونية والفنية والتي يترتب عليها خلافات كان التحكيم في غني عنها ، ولتفادي احتمالات هذا الخلاف –بقدر الامكان – يراعي ان تحدد لغة واحده تستخدم في جميع مراحل التحكيم بما فيها صدور الحكم .
واذا لم تحدد لغة التحكيم في الاتفاق ، يقوم المحكمون بتحديدها مما قد يترتب علي ذلك احيان مفاجاة الاطراف بغير ما يتوقعونه واحيانا يقرر المحكمون انه يجوز ان يستخدم الاطراف احدي لغتين محددتين .
وعلي اية حال اذا لم يتوصل الاطراف الي اتفاق حول لغة التحكيم فعلي الاقل يتحمل كل طرف مصاريف الترجمة الخاصة به ، كما ان تحديد لغة التحكيم في اتفاق التحكيم يساعد علي اختيار اثر المحكمين علما بهذه اللغة ، وتجدر الاشارة الي انه نادرا ما تستخدم اللغة العربية في قضايا التحكيم الدولية ، وخير مثالا علي ذلك : تحكيم جري أمام غرفة التجارة الدولية بباريس وكان الطرفان عربيان وكان المحكمون الثلاثة ايضا عرب والقانون الواجب التطبيق علي النزاع ايضا عربيا – هو القانون السعودي- وكان العقد منفذا في المملكة العربية السعودية ، ومع ذلك كانت لغة التحكيم هي اللغة الانجليزية (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر – المرجع السابق – ص 356 .
(2) ) د/ أحمد حسان حافظ – مرجع سابق – ص 377 .
ويفسر ذلك ان لغتي الاجراءات امام غرفة التجارة الدولية هما الانجليزية والفرنسية ، والتحكيم الذي يتم بلغة اخري يحتاج الي ترجمة الي احدي هاتين اللغتين ليتسني لمحكمة التحكيم بالغرفة مراجعته وهذا لا يمنع من ان تكون الاجراءات والحكم باللغة العربية علي ان تعد له ترجمة بإحدى لغتي الاجراءات بالغرفة (1) .
10- نفقات التحكيم
وتتمثل نفقات التحكيم في مصاريف الاجراءات واتعاب المحكمين ويتحمل كل طرف نصيبه وفقا لما وقع الاتفاق عليه وقد يتفق علي تخويل هيئة التحكيم سلطة توزيع هذه النفقات . الامر الذ يسمح لها ان تحملها للاطراف بالتساوي ، علي ان يتحمل كل طرف نفقات محكمة (2) .
11 – قرار التحكيم والزاميته وتنفيذه
يواجه من يصيغ إتفاق تحكيم بالنسبة لقرار التحكيم عدة مسائل هى [ الأغلبية المطلوبة لصحته ، تحرير القرار وتوقيع أعضاء هيئة التحكيم عليه وإمكانية تحرير الآراء المعارضة ، تسبيب القرار ، نهائية القرار من حيث مدى جواز الطعن فيه وأخيراً تفسير القرار ] أما بالنسبة لالزاميته وتنفيذه فيتعرض المستشار القانوني الي موضعين :_
الأول : يتعلق بالتزام الاطراف بتنفيذ الحكم خلال مدة محدده بحسن نيه .
والثاني : يتصل بالاجراءات الواجب اتخاذها لجعل حكم التحكيم واجب للتنفيذ في الدولة التي يراد التنفيذ فيها . ويجب أن يراعي في ذلك احكام قانون هذه الدولة ومن مصلحة المتحكم في نزاع مع دولة ان يتضمن اتفاق التحكيم ما يفيد نزول هذه الدولة عن حصانتها الدولية عند تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضدها علي اموالها الكائنة خارج حدودها وعدم تمسكها بقانونها الداخلي للتخلص من الخضوع للتحكيم (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر : المرجع السابق – ص 360 .
(2) د / أحمد شرف الدين : دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية ، مرجع سابق ، صـ22.
(3) د/ أحمد حسان حافظ – مرجع سابق – ص 378 .
12 – العناية بشرح المصطلحات
يجب علي من يصيغ اتفاق التحكيم ان يكون علي علم بالتفسيرات المختلفة في البلاد المختلفة التي يتضمنها اتفاق التحكيم وعليه ايضا ان يتجنب التعبيرات التي تعطي اكثر من معني ويحدد علي وجه من الدقة والوضوح المعني المقصود من المصطلحات القانونية والفنية وعلي سبيل المثال يحدد معني الاجراءات ، ضمانات حكم التحكيم ، استبعاد الطعن ...الخ .
13 – استبعاد الطعن في قرار التحكيم
كما ذكرنا فان هدف التحكيم هو حسم الخلاف بين الاطراف نهائيا ، ويجب ذكر ذلك صراحة في اتفاق التحكيم لذا ينص الاتفاق النموذجي بخصوص التحكيم بغرفة باريس للتجارة الدولية علي حسم الخلافات نهائيا عن طريق التحكيم ، وفي حالة بطلان قرار التحكيم بصفة عامه رغم ورود هذا الشرط الا ان فائدته تظل في القوانين التي تسمح بالاستئناف واعادة النظر في قرار التحكيم (1) .
ومن هنا تبرز اهمية حسن صياغة بنود اتفاق التحكيم بحيث تضمن عدم إمكان التحلل من هذه البنود او تفسيرها تفسيرات متضاربة من ناحية ، ومن ناحية أخري ، وقوف حكم التحكيم علي اساس قانوني معترف به لدي طرفي النزاع ، وعلي هذا الاساس ، يجب ان تصاغ بنود عقود التحكيم صياغة منضبطة تحدد ماهية كل بند من البنود علي النحو الذي يكفل فاعلية التحكيم في مجال العقود الدولية للإنشاءات (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر : المرجع السابق – ص 362 .
(2) د/ أحمد حسان حافظ – مرجع سابق – ص 378 .
المبحث الثانى
تفسير الاتفاق على التحكيم وإثباته
أولاً : تفسير الاتفاق على التحكيم
يخضع إتفاق التحكيم فى تفسيره لقواعد التفسير المقررة لسائر العقود بإعتباره أنه عقد رضائى وإن كان يجب لإنعقاده ولا ثباته أن يكون مكتوباً هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى يعد الاتفاق على التحكيم رغم ذلك خروجاً على القواعد العامة فى التقاضى والتى توجب على الفرد إن رغب إقتضاء حقه اللجوء الى قضاء الدولة بالاجراءات ووفقاً للقواعد المحددة فى هذا الشأن وبالاتفاق على التحكيم يكون للفرد الالتجاء الى غير قضاء الدولة فى إقتضاء حقوقه ، لهذا كان واجباً والامر كذلك على القاضى وهو بصدد تفسير هذا الاتفاق التزام كامل الحيطه والحذر وصولاً الى القصد الحقيقى لأطراف هذا الاتفاق والوقوف عند هذا القصد وعدم تجاوزه ، ومن ثم لا يجوز بحال تكييف إتفاق الخصوم على أنه عقد تحكيم إلا إذا كانت إرادة أطرافه واضحة وضوحاً تاماً فى الالتجاء الى التحكيم حسماً للمنازعة المتفق علي خضوعها للتحكيم .
فمثلاً إذا تضمن العقد الدولى للإنشاءات بنداً مؤداه أن " التحكيم إن وجد يجب أن ينعقد فى لندن وطبقاً للقانون الانجليزى " دون أن تتضمن شرط تحكيم فإنه يجب ألا يفسر هذا البند على أنه شرط تحكيم وإنما شرطاً يجب أن يكون عليه تحكيم إذا وافق الخصوم بعد ذلك على حل المنازعات الناشئة عن العقد بطريق التحكيم (1) .
ويجب فى هذا الخصوص إلتزام مبدأ التفسير الضيق عند تحديد المنازعة محل التحكيم والوقوف عند تحديد الخصوم فلا يجوز من ثم التوسع فيها أو القياس عليها ، وعلى ذلك إذا ورد الاتفاق على التحكيم بشأن تفسير عقد من العقود فلا ينصب التحكيم على المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . أحمد حسان حافظ مطاوع ، المرجع السابق الاشارة إليه ، صـ 379 .
(2) د . محمود هاشم ، النظرية العامة للتحكيم فى المواد المدنية والتجارية , دار النهضة العربية ، صـ 187 .
وقد أوجبت المادة 122 من قانون المرافعات أن تتضمن مشارطة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين ويتسنى رقابة مدى إلتزامهم حدود ولايتهم كما أجاز المشرع فى نفس المادة أن يتم ذلك التحديد أثناء المرافعات أمام هيئة التحكيم ومن ثم هو مقصور حتماً على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين الى عرضه على هيئة التحكيم (1) .
وقد نص المشرع المصرى فى قانون التحكيم الجديد رقم 27 لسنة 1994 فى المادة 10/2 على أنه " يجوز أن يكون إتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع سواء قام مستقلاً بذاته أو ورد فى عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التى قد تنشأ بين الطرفين وفى هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع فى بيان الدعوى المشار إليه فى الفقرة الاولى من المادة (30) من هذا القانون ، كما يجوز أن يتم إتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت فى شأنه دعوى أمام جهة قضائية ، وفى هذه الحالة يحدد الاتفاق المسائل التى يشملها االتحكيم وإلا كان الاتفاق باطلاً " .
فيؤكد المشرع المصرى بمقتضى هذه النص على قاعدة التفسير الضيق لاتفاق التحكيم ، ومن أبرز آثار هذه القاعدة أن للخصوم أن يطعنوا فى حكم التحكيم الصادر إذا خرج فيه المحكم عن الولاية المحددة له فى شرط أو مشارطة التحكيم ، وذلك حتى ولو إتفق على إعتبار الحكم نهائياً وغير قابل للطعن فيه (2) .
وقد نصت المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك على أنه " لا يجوز رفض الاعتراف بحكم التحكيم ورفض تنفيذه الا إذا قدم الخصم الذى يحتج عليه بهذا الحكم للسلطة المختصة فى البلد المطلوب اليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على أن الحكم فصل فى نزاع غير وارد فى شرط التحكيم أو فى إتفاق التحكيم أو تجاوز حدوده فيما قضى به " (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمود سلامه : مرجع سابق ، صـ 172 وما بعدها .
(2) د / أحمد حسان حافظ ـ مرجع سابق صـ 382.
(3) د/ أحمد عبد الفتاح الشلقانى : التحكيم فى عقود التجارة الدولية ، سنة 1966 ، صـ 20
ثانياً : إثبات إتفاق التحكيم
تختلف الانظمة فيما بينها حول وسيلة إثبات الاتفاق على التحكيم .
تنص المادة 1419 من قانون المرافعات الفرنسى على أن " إثبات مشارطة التحكيم تكون بالكتابة ، كما يمكن أن تتم فى محضر موقع عليه من الخصوم والمحكمين "
ويتضح من ذلك أن الكتابة المتطلبة هنا إنما للإثبات فقط وليست شرطاً لصحة التحكيم وبالتالى يجوز إثبات إتفاق التحكيم بالكتابة أو ما يقوم مقامها من إقرار ويمين حاسمة ، مع ملاحظة أنه توجد بعض الانظمة التى تجعل من الكتابة شرطاً لصحة الاتفاق على التحكيم مثل النظامين المغربى والاردنى وأيضاً القانون الايطالى والفرنسى فيما يتعلق بشرط التحكيم لانه نص على بطلان الشرط إذا لم يرد مكتوباً فى صلب العقد الاصلى أو فى ورقة أخرى يشير اليها هذا العقد ، وكذلك بعض نظم دول أمريكا اللاتينية . واذا كان الامر كذلك فى هذه الانظمة فان الكتابة تكون لازمة ليس فقط لاثبات الاتفاق على التحكيم بل انما لصحة هذا الاتفاق فلا يكون هناك من سبيل لاثبات الاتفاق على التحكيم سوى الكتابة (1) .
وتعد الكتابة شرط لإثبات قبول المحكمة مهمة التحكيم وليست شرطاً لإنعقاد مشارطة التحكيم ، وإذا كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأقام قضاءه على أن توقيع المحكمين على العقد يعتبر ركناً باطلاً ، وإستبعد على هذا الاساس الإقرار الصادر من المحكم والذى ضمنه سبق موافقته على مهمة التحكيم ، وهو محرر له قوة الكتابة فى الاثبات ورتب الحكم على ذلك بطلان المشارطة لعدم إنعقادها فإنه يكون قد خالف القانون (2) .
وتنص المادة 12 من قانون التحكيم المصرى الجديد رقم 27 لسنة 1994 على أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / أحمد حسان حافظ ـ مرجع سابق صـ 381.
(2) د/ محمود سلامه : مرجع سابق ، صـ 175 .
" يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا اذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو اذا تضمنه ما تبادله الطرفان من وسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة "
ومفاد هذا النص أن الكتابة تعد ركنا اساسياً يجب توافره لامكان القول بوجود اتفاق التحكيم فى مفهوم هذا القانون فالمادة 12 من قانون التحكيم المصرى الجديد رقم 27 لسنة 1994 تقرر قاعدة تتطلب الكتابة كشرط صحة يتعلق بوجود الاتفاق ذاته . وليس عنصرا خارجيا متطلبا للاثبات فحسب (1) .
وقد نصت المادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958 فى شان الاعتراف وتنفيذ احكام التحكيم الاجنبية على :
1ـ تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذى يتعهد الاطراف بمقتضاه ان يخضعوا للتحكيم كافة أو ايه خلافات نشأت أو يمكن تنشأ بينهم .
2ـ وتعبير " اتفاق تحكيم مكتوب " يشمل شرط التحكيم الوارد فى عقد أو اتفاق تحكيم موقع عليه من الاطراف أو متضمن فى تبادل للخطابات أو البرقيات " .
3- على محكمة الدولة المتعاقدة التى يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل إتفاق من الاطراف بالمعنى الوارد فى هذه المادة أن تحيل الخصوم بناءاً على طلب أحدهم الى التحكيم ، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له أو غير قابل للتطبيق (2) .
وإذا كانت الكاتبة واجبة لاثبات الاتفاق على التحكيم فى جميع الانظمة فانها تكون لازمة لاثبات كل شرط من شروطه . فيجب اذن ان تحدد الكتابة موضوع التحكيم اى المنازعة المتفق على عرضها على التحكيم ويجب أن يبين بورقة التحكيم ما اذا كان التحكيم بالقضاء ام الصلح وغير ذلك من الشروط (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / ناريمان عبد القادر : مرجع سابق / صـ 354 وما بعدها .
(2) د / محمود سلامه ، مرجع سابق ، صـ 121 .
(3) د/ محمود هاشم ، مرجع سابق ، صـ191 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق