بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
يعتبر اصطلاح " اتفاق التحكيم " الذى شاع استعماله مؤخرا تعبيرا واسعا قصد به ان يشمل الصورتين المعروفتين وهما :
أ ـ مشارطه التحكيم Compromis أى اتفاق يبرمه الإطراف منفصل عن العقد الأصلى وذلك للالتجاء الى التحكيم فى صدد نزاع قائم فعلا بينهم .
ب ـ شرط التحكيم Clause Compromissire وهو نص وارد ضمن نصوص عقد معين يقرر الالتجاء التى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات الى قد تثور مستقبلا بين المتعاقدين بشأن تفسير العقد وتنفيذه ([1]) .
ولقد عرف قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 إتفاق التحكيم فى المادة العاشرة منه بأنه إتفاق الطرفين على الالتجاء الى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التى نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة ، عقدية كانت أو غير عقدية ، سواء كان هذا الاتفاق سابقاً على قيام النزاع أو تم بعد قيامه ولو كانت قد أقيمت فى شأنه دعوى أمام جهة قضائية ، سواء تم بأتفاق مستقل بذاته أو ورد فى عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التى قد تنشأ بين الطرفين أو ورد فى صورة احالة ترد فى العقد الى وثيقة تتضمن شرط تحكيم أذا كانت الإحالة واضحة فى اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد ([2]) .
والواقع أن شرط التحكيم هو الأكثر شيوعا فى التطبيق من الناحية العملية لأنه يبرم فى وقت تسوده روح الود بعكس المشارطة التى تبرم بعد وقوع النزاع مما يصعب معه إبرام اتفاق التحكيم ويعد شرط التحكيم أهم مصدر من مصادر التحكيم التجاري سواء الداخلى أو الدولى فقد اتضح أن ما يقرب من 80 % من عقود التجارة الدولية أصبحت تتضمن شرطاً تحكيماً .(1)
ولقد أشتمل قانون التحكم المصرى الصورتين معـا فقـد نص فى المادة 10/2 على أنه " يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع سواء قام مستقلا بذاته أو ورد فى عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التى قد تنشأ بين الطرفين وفى هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع فى بيان الدعوى المشار اليه فى الفقرة الأولى من المادة (30) من هذا القانون . كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت فى شأنه دعوى أمام جهة قضائية وفى هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التى يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلاً (2)
وعلى الرغم مما سبق يثور التساؤل عن مصير شرط التحكيم الذى تضمنه العقد الأصلى ، إذا تعرض لسبب أدى الى بطلانه أو فسخه أو إنهائه فالمقصود منطقياً أن العقد إذا تعرض لأحد هذه العوارض فانه يزول بكل ما تضمنه وبالتالى ينتهى أثر شرط التحكيم بالتبعية ، ولكن تطور قضاء وفقه التحكيم خاصة فى مجال التجارة الدولية أنتهى الى عكس ذلك ، إذ قررا مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الاصلى فلا يؤدى بطلان أو فسخ أو إنهاء هذا العقد الى التأثير على شرط التحكيم فالشرط صحيح طالما استكمل شروط صحته الخاصة به (3) .
فقد يخضع هذا الشرط لقانون مختلف عن القانون الذى يخضع له موضوع العقد الأصلى لذلك من المتصور أن يستوفى الشرط شروط صحته رغم ما أصاب العقد الأصلى من عوارض ، وترتيباً على ذلك ينتج الشرط أثره ويكون للمحكمين سلطة النظر فى أيه منازعات تنشأ عن بطلان أو فسخ أو إنهاء العقد الأصلى ، وقد أثار هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ ناريمان عبد القادر : إتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم المحلى والدولى المجلد الاول ، دار محمود للنشر والتوزيع ، صـ 43
(2) د / محمود سلامه : موسوعة التحكيم والمحكم طبقاً لقانون التحكيم المصرى وأنظمة التحكيم الدولية ، الطبعة الثانية لسنة 2009، صـ 115 .
(3) د/ ساميه راشد : التحكيم فى العلاقات الدولية الخاصة ، دار النهضة العربية ، صـ 78 وما بعدها .
المبدأ جدلا فى الفقة المصرى حيث لم تنص مواد التحكيم التى كان يتضمنها قانون المرافعات على مبدأ استقلال شرط التحكيم واختلفت اجتهادات الفقة خاصة فيما يتعلق بأثر سريان اتفاقية نيويورك وما إذا كانت هذه الاتفاقية تضمنت ما يفيد تقرير مبدأ الاستقلالية من عدمه (1).
وقد حسم المشرع المصرى هذا الخلاف فى القانون الجديد فنصت المادة (23) على أن " يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلا عن شروط العقد الأخرى ، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أثر على شرط التحكيم الذى يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً فى ذاته " (2) .
إن التحكيم ليس من قبيل الدعاوى التى هى سلطة مخولة لصاحب الحق فى الالتجاء الى القضاء للحصول على تقرير حق له أو لحمايته ، كما أن مشارطة التحكيم لا تعد من قبيل التصرفات المنشئة أو الكاشفة لحق عين عقارى أصلى أو من قبيل صحف الدعاوى وإنما مجرد إتفاق على عرض نزاع معين على محكمين والنزول على حكمهم ، ولا يتضمن مطالبة بالحق أو تكليفاً للخصوم بالحضور أمام هيئة التحكيم وفقاً لأحكام المادتين 15 ، 17 من القانون 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى فإذا ما سجلت أو أشهر بها فإنه لا يترتب على ذلك أن الحق المدعى به إذا تقرر بحكم المحاكم وتأشر به أن يكون حجة على من ترتب لهم حقوق عينية إبتداء من تاريخ تسجيل مشارطة التحكيم لان هذا الأثر يتعلق بالدعاوى فقط (3) .
وسواء ورد اتفاق التحكيم فى صورة المشارطة أو الشرط فإنه يجب العناية بصياغته فيجب على الشخص الذى يصيغ اتفاق التحكيم أن يبذل قصارى جهده فى هذه الصياغة لتأتى ملبية لرغبات الطرفين من ناحية ، ولتفادى احتمالات الخلاف بشأنها بقدر الإمكان من ناحية أخرى كما يجب الاهتمام بمسألة تفسير هذا الاتفاق على نحو يكفل الكشف عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ مختار بريرى إتفاق التحكيم ، بدون ناشر وبدون سنة طبع ، صـ 50 .
(2) د/ أحمد حسان حافظ ، مرجع سابق صـ 360 وما بعدها .
(3) د / محمود سلامه : مرجع سابق ، صـ 124 .
الإرادة المشتركة لطرفيه ويتيح لهذا الاتفاق تحقيق أثارة القانونية التى من أجلها فضل طرفيه الالتجاء الى التحكيم بدلا من القضاء العادى (1) .
وفضلا عما تقدم يجب العناية بتجديد القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات لأن هذا القانون يقوم بدور عام وخطير فى صدد هذا الاتفاق فإذا كان هذا القانون من القوانين المتطورة فى مجال التحكيم ، فإنه يساهم مساهمة فعالة فى تحقيق اتفاق التحكيم لأثاره القانونية على النحو المطلوب . أما إذا كان من القوانين الضليعة فى وضع العديد من القيود والعراقيل فى مجال التحكيم فإنه سيكون حجر عثرة أمام تحقيق اتفاق التحكيم لأثاره المرجوة (2) .
وبناء على ما تقدم ، نقسم هذا البحث الى فصلين ، نعالج فى الفصل الأول مسألة صياغة وتفسير اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات ، ونخصص الفصل الثانى لدراسة القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم وذلك على النحو التالى :
الفصل الأول : صياغة وتفسير اتفاق التحكيم فى العقود الدولية للإنشاءات .
الفصل الثانى : القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ مختار بريرى : مرجع سابق ،، صـ 50 .
(2) د / أحمد حسان حافظ ، مرجع سابق صـ 362.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق