الفصل الثانى
القانون الواجب التطبيق على إتفاق التحكيم
يجب أن يسند العقد الى قانون معين يحكم شروط إنعقاده وييسر له السبل لإجبار المتعاقدين على إحترام ما يتولد عنه من التزامات ولا يشذ إتفاق التحكيم التجارى الدولى عن هذا الامر وإن كان هناك من الفقهاء من ينادى بوجوب عزله عن كل قانون وإسناده بكليته الى إرادة المتعاقدين لتكون هى المصدر الوحيد للإلتزام الذى يتضمنه .
والسائد فقهاً وقضاءاً فى الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم هو خضوع التحكيم لقانون الارادة وهو ما يطلق عليه " قانون التحكيم " (1)
ويثور العديد من الصعاب عند تطبيق قاعدة خضوع العقد بصفة عامة لقانون الارادة ، وهى : هل يكون دور الارادة هو إختيار القانون الواجب التطبيق على العقد " النظرية الشخصية أو الذاتية " أم أن دورها يقتصر على تركيز العقد ، أى أن إختيار مقر له ، ومتى تحدد هذا المقرر عين القاضى بالنظر اليه القانون الواجب التطبيق على إرادة المتعاقدين ، وما مدى حرية المتعاقدين فى إختيار القانون الذى يحكم العقد ؟ وهل لهما أن يختارا أكثر من قانون يحكم العقد ؟ وما مجال تطبيق قانون الارادة على العقد ذاته من حيث تكوينه وآثاره وزواله ؟ ما القانون الواجب التطبيق على الاهلية للتعاقد وما القانون الواجب التطبيق على شكل العقد ؟ (2)
وإذا كانت معالجة هذه المسائل بالنسبة للعقد قد اثارت العديد من وجهات النظر عند الفقه والقضاء فى مختلف الدول ، فإن إثارتها بصدد التحكيم تكون أكثر مشقة بالنظر الى ما يجرى من خلاف فى طبيعته ، هل هى عقدية أم قضائية أم مزيج من الاثنين .(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / محسن شفيق : التحكيم التجاى الدولى ، بدون سنة نشر ، صـ 120 وما بعدها .
(2) د/ عز الدين عبد الله ، القانون الدولى الخاص ، الجزء الثانى فى تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائى الدوليين ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة التاسعة 1986 ، صـ 417 وما بعدها .
(3) د . أحمد حسان حافظ مطاوع ، المرجع السابق الاشارة اليه ، صـ 386 .
كذلك ترجع هذه المشقة الى أن التحكيم هو شئ أخر غير العقد بالرغم من أساسه الاتفاقى إذا هو مجموعة عمليات تبدأ بالاتفاق التحكيمى متبوعاً بالعقد الذى يبرم بين المحكمين وأطراف النزاع ثم إجراءات التحكيم من بدايتها حتى صدور الحكم وتنفيذه وعناصر هذه المجموعة يؤثر بعضها فى البعض الاخر ، ولا تلبث الصعوبات أن تبدو عنه أية محاولة للفصل بينها ومن ذلك ما يقوله بعض الشراح من إستحالة الفصل بين الاتفاق التحكيمى وبين باقى أجزاء عملية التحكيم ، وبصفة خاصة بينه وبين العقد المبرم بين المحكمين والاطراف أو بينه وبين إجراءات التحكيم (1) .
ذكرنا من قبل أن الرأى الراجح فقهاً وتشريعاً يذهب الى أن شرط التحكيم (عقد التحكيم) هو عقد مستقل عن ذلك العقد الاصلى له وجوده الذاتى الذى لا يتأثر به من عيوب ومنازعات (2) .
ولما كان العقدان منفصلين فمن الطبيعي ان يكون القانون الواجب التطبيق علي احدهما يختلف عن القانون الواجب التطبيق علي الاخر .
وعلي المحكم أن يفصل في صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه وفقا للقانون الواجب التطبيق عليه الذي ربما لايكون هو القانون الواجب التطبيق علي العقد الاصلي(3).
لذالك نقسم هذا الفصل الي مبحثين نعالج في الاول القانون الواجب التطبيق علي الاهلية وشكل اتفاق التحكيم , ونتناول في الثاني القانون الذي يحكم الجانب الموضوعي في اتفاق التحكيم (قانون الارادة) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عز الدين عبد الله : مرجع سابق ، صـ 22 .
(2) د/ ساميه راشد : مرجع سابق ، صـ 214 وما بعدها .
(3) د/ أحمد السمدان : القانون الواجب التطبيق فى التحكيم التجارى الدولى ، سنة 1992 ، صـ 187 .
المبحث الاول
القانون الواجب التطبيق علي الاهلية ومشاكل اتفاق التحكيم
اولا : القانون الواجب التطبيق علي الاهلية للتحكيم
ان السائد الان في ميدان التحكيم التجاري الدولي هو الرجوع في الاهلية للتحكيم الي القانون الشخصي (قانون الجنسية اوالقانون الموطن ) ويري بعض الشراح ان أعمال القانون الشخصي في الاهلية للتحكيم يوجد معه مجال للاخذ بفكرة " المصلحة الوطنية " التي اخذ بها القضاء الفرنسي في مجال الاهلية للتعاقد بحيث يكون للطرف في التحكيم أن يتمسك بعدم تاثير التحكيم بنفس اهلة الطرف الاخر الاجنبي طبقا لقانون الشخص , مادام هذا النقص يرجع الي سبب فيه خفاء لايسهل علي الطرف الاول تبينه "م11 مدني مصري" وبعبارة اخري مادام هذا الطرف معذورا في جهله بنقص اهلية الطرف الاخر الاجنبي (1) .
ثانيا : القانون الواجب التطبيق علي شكل اتفاق التحكيم :
عندما يتفرق شكل التصرف عن موضوعة من حيث الاسناد , علي يدي الفقيه الفرنسي "ديمولان " (وقد عاش في القرن السادس عشر ) صار مجال تطبيق قاعدة (قانون المحل يحكم التصرف ) مقصورا علي شكل التصرف دون موضوعه واصبح منطوقها(قانون المحل يحكم شكل التصرف ) ثم ثار خلاف في الفقه فيما إذا كانت هذه القاعدة اخيارية أو الزامية , وقد صارت قاعدة عرف شائع أن لم تصل الي حد كونها عرفا دوليا , وسار في الفقه وفي التشريع وعند القضاء اعتبارها قاعدة اختيارية .
بيد ان اتفاق التحكيم يختلف عم غيره من الاتفاقات من حيث كونة اساسا لاخبصاص المحكمين واجراءات التحكيم من بدايتها الي صدور الحكم في النزاع وله شروط موضوعية وشروط شكليه ,وتؤثر عناصرها (عملية التحكيم ) بعضها في البعض الاخر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عز الدين عبد الله : مرجع سابق ، صـ 26 وما بعدها .
ويصعب مع كل ذلك إعمال القواعد العامة في شكل التصرف القانوني علي الاتفاق التحكيمي ويصعب معه أيضا النظر الي شكل هذا الاتفاق بصفة مستقلة بحيث يكون بمنأي عن التاثير بالقانون الواجب التطبيق علي التحكيم " قانون الارادة " (1) .
ويكون من الخطورة بمكان ان يترك الاختصاص بالشكل القانوني محل الابرام وحده دونما نظر الي الاحكام المتعلقة بالشكل في قانون التحكيم " قانون الارادة " ويجدر التنويه بتنوع أحكام القوانين الداخلية بشأن شكل الاتفاق التحكيم , حيث تتطلب بعض التشريعات الشكل الرسمي (مثل تشريعات اسبانيا وبعض دول امريكا اللاتينية) , بينما تكتفي غالبية من التشريعات بالشكل العرفي (مثل مصر وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية) بل أن قليلا من التشريعات لا بستلزم الشكل الكتابي مكتفيا بالاتفاق الشفوي (مثل المانيا في التحكيم في المواد التجارية ) , ويزيد مسألة الشكل أهمية أنة غالبا ما تنصب المنازعات في الاتفاق التحكيمي علي شكله .
والواقع ان قانون التحكيم هو قانون الموضوع (الجانب الموضوعي للتصرف ) والقائلون باخبيارية هذه القاعدة بالنسية للتصرفات الارادية بصفة عامة يجيزون اختيار القانون الذي يحكم موضوع التصرف ليحكم شكله , ويوجد من الشراح من يجيزبالنسية لشكل الاتفاق التحكيمي الاختيار ما بين ثلاثة قوانين وهي القانون المحلي وقانون الجنسية المشتركة للمتعاقدين والقانون الذي يحكم الموضوع (الجانب الموضوعي للتصرف ) (2) هذا وقد اقر مجمع القانون الدولي في دورة اجتماعة المنعقد في امستردام القاعدة الاتية : " تسري علي شكل افاق التحكيم القانون المعمول به في البلد الذي أبرم في التصرف , ومع ذلك فان مشارطة التحكيم أو شرط التحكيم الذي لايكون مستوفيا متطلبات الشكل المقررة في هذا القانون يكون صحيحا متى كانت قد روعت فيه الاشكال المقررة في قانون المكان الذي يوجد به مقري محكمة التحكيم " (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ان اتفاقية نيويورك المبرمة في سنة 1958 تقرر قاعدة موضوعية (وليس قاعدة اسناد توجب ان يكون الاتفاق التحكيمي مكتوبا , ويكفي ان يكون الشكل الكتابي عرفيا , وذكرنا ايضا ان قانون التحكيم المصري الجديد رقم 27 لسنة 1994 يقرر قاعدة تتطلب الكتابة كشرط صحة يتعلق بوجود الاتفاق ذاته (1) .
المبحث الثاني
القانون الذي يحكم الجانب الموضوعي من اتفاق التحكيم
( قاعدة قانون الإرادة )
عندما يحدد الاطراف القانون الواجب التطبيق علي اتفاق التحكيم بارادة صريحة ويسلم الفقه بالاخذ بارادتهم الضمنية في هذا التحديد وتستخلص هذه الارادة من ظروف الحال , مثل جنسية الاطراف او موطنهم او محل ابرام الاتفاق علي ان الفقه يقرر بأهمية خاصة لقرينتين تبني علي الواحدة منها اوالاخري الارادة الضمنية للاطراف وهما مقر التحكيم والقانون الذى يسرى على موضوع النزاع ، أى القانون الذي يحكم العقد الاصلي (2) .
ويعد اختيار الاطراف لمقر التحكيم دون تعيين القانون الواجب التطبيق صراحة يمكن ان يعيد تعبيرا ضمنيا عن اختيارهم قانون هذا المقر ليكون هو الواجب التطبيق (قانون الارادة الضمنية ) , علي انه قد توجد صعوبة في الاعتداد بهذه القرينة عند ما تثورعملية التحكيم بين اكثر من بلد , ولذلك نجد بعض الاتفاقيات الدولية يعتد بالمكان الذي صدر فيه حكم المحكمين وليس بمقر التحكيم ومن ذلك ما تقضي به المادة (5) من اتفاقية نيويورك من انه : " لايمكن رفض الاعتراف بالحكم وتنفيذه بناء علي طلب الطرف الذي يجري التمسك به ضده , ما لم يثبت هذا الطرف ان الاتفاق المنصوص عليه في المادة 2(اتفاق التحكيم المكتوب) ليس صحيحا طبقا للقانون الذي اخضعه له الاطراف اوفي حالة عدم وجود امارة في هذا الشأن طبقا لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم (3) .
ولقد وضع بعض الفقهاء قيد اخر علي حرية المتعاقدين في اختيار القانون الواجب التطبيق بقولهم ان الاختيار ينبغي الايكون تحكيما لا ضابط له وانما يجب ان يكون هناك صلة بين القانون الذي وقع علية الاختيار واتفاق التحكيم يكون مثلا قانون احد طرفي الاتفاق او القانون الذي يجري العرف الدولي علي تعيينه ، اما الاختيار المطلق فغير جائز ولم يلقي هذا الرأي قبولا لدي القضاء (1)
وهناك راي اخر للفقه يري ان القيد الذي ارادة هذا الجانب من الفقه اقامته علي حرية الاختيار يجب اسقاطه لاسيما في مجال التجارة الدولية حيث يجري العمل علي ابرام عقود البيع بالاحالة الي مايوجد بشأن السلعة محل البيع من عقود نموذجية او شروط عامة تتضمن شرط تحكيم وتنص علي تطبيق قانون معين علي اتفاق التحكيم , وقد يكون هذا القانون منقطع الصلة بالاتفاق (2)
وإذا ما وصلنا الي الغرض الذي لاتوجد فيه ارادة صريحة او ارادة ضمنية للاطراف في تعيين القانون الواجب التطبيق في التحكيم , نجد ان الفقه الغالب يري انه يفهم من سكوت الاطراف عن اختيار القانون الواجب التطبيق انهم قد تركوا امرتعيين هذا القانون للمحكمين انفسهم , وذالك حلا علي انه من غير المقبول في ميدان التجارة الدولية ان يكون اغفال الاطراف اختيار القانون الواجب التطبيق مرجعه الجهل او الاهمال , ومن المحتمل انهم لم يتعرضوا لمعالجة هذه المسألة , أذا انهم فضلوا الايتعرضوا لها اوانهم قد يرون استحالة الاتفاق عليها ومن كل ذلك يفهم تركها للحل الذي يراه المحكمون , ومما يؤدي هذا النظر ما اخذ به معها القانون الدولي في دورة انعقاده في امستردام فيما تنص علية المادة2 من مقرراته من انه في حالة عدم وجود مقر لمحكمة التحكيم محدد علي الوجه المبين في المادة الاولي يفترض ان الاطراف قد جعلوا لمحكمين الحق في تحديد المكان الذي تجلب فيه محكمة التحكيم ويحدد اختياره القانون الواجب التطبيق في التحكيم (3) .
ويقرر الفقهاء علي ان مايقرره النص السابق تضمنه المبدأ العام المجمع عليه والذي يقضي بأن سكوت مشارطة التحكيم يفيد الترخيص الضمني من الاطراف للمحكمين في تعيين مقر التحكيم وفي اختيار القانون الواجب التطبيق علي التحكيم سواء باختيار القواعد الموضوعية (الاختيار المباشر ) او اختيار قواعد الاسناد التي تعين القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق ( الاختيار غير المباشر ) (1) .
وبالبحث عن مكنه تطبيق قانون الارادة علي اتفاق التحكيم نجد ان قانون الارادة هو الذي يحكم هذا الاتفاق بعد استبعاد مسألتي الاهلية والشكل , ويبقي بعد ذلك بيان مجال تطبيق هذا القانون , وقد جري هذا البحث بشان مجال تطبيق قانون الارادة علي العقد ذاته (بصفة عامة ) مما انتهي فيه الفقه الي ان هذا القانون يسري علي تكوين العقد ( التراضي والمحل والسبب وبطلانه ) مع الخلاف في بعض مسائلة, مثل قيمة السكوت وتعيين زمان التعاقد ومكانه في التعاقد بين غائبين وعيوب الارادة ومع التسلبيم بتاثير مشروعية السبب بقانون القاضي رغم خصوع السبب من حيث وجوده ومشروعيته لقانون العقد اي قانون الارادة , ومع التسليم ايضاً بتاثير مشروعية المحل بقانون القاضي رغم خضوع المحل من حيث شروطة كالوجود والامكان والتعيين والقابلية للتعامل فيه لقانون العقد قانون الارادة كذلك تخضع اثار العقد لقانون الارادة سواء من حيث الاشخاص او من حيث الموضوع وذلك بصفة عامة (2)
وتقضي المادة (6) من الاتفاقية الاوربية الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي بانه " يرجع في وجود اتفاقية التحكيم وصحته " فيما عدا الاهلية للتحكيم " الي القانون الذي اخضع له اتفاق التحكيم" وأذا كان محل الاتفاق التحكيمي يدخل في مجال تطبيق قانون الارادة " وما يكون بديل له عند عدم وجود ارادة حقيقية في شأنه " علي هذا الوجة فان هذا القانون يحكم مشروعية هذا المحل , وأخص ما يلزم لتوفير لمشروعية فيه هو ان
يكون موضوع النزاع قابلا للتحكيم فيه , وهذا القول هو النتيجة المنطقية للنظر الي القابلية للتحكيم باعتبارها شرط صحة اتفاق التحكيم , وعلي ذلك فمتي اثبت القابلية للتحكيم بهذا الوصف لدي المحكمين (الذين يجب عليهم التحقق من اختصاصاتهم وبالتالي من صحة اتفاق التحكيم ) أو أثيرت لدي القاضي المطلوب منه الفصل في صحة اتفاق التحكيم (في غير مجال طلب الامر بتنفيذ حكم المحكمين ) طبق فيها قانون الارادة (اوبديله ) وهذا الرأي ورد به النص في بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية نيويورك فيما ينص عليه البند (أ) من الفقرة الاولي من المادة (5) منها من وجوب ان يكون اتفاق التحكيم صحيحا طبقا للقانون الذي اخضعه له الاطراف , ولا شك في ان قابلية النزاع كما هو محدد في شرط التحكيم او مشارطة التحكيم , للتحكيم هو شرط من شروط هذه الصحة (1)
على أن قابلية النزاع للتحكيم وإن كانت شرطاً فى صحة إتفاق التحكيم الا انها من الناحية الاخرى تعتبر شرطاً فى الاعتراف بحكم المحكمين وتنفيذه ويمكن أن يثار أمام قاضى الدولة التى يطلب هذا الاعتراف أو التنفيذ فيها ، ويثور التساؤل عن القانون الذى يطبقه هذا القاضى فيها ، مما إختلفت فيه أراء الشراح الذين لم يراعوا فى إجابتهم عنه التفرقة بين الوصفين المتقدمين لشرط قابلية النزاع للتحكيم .
ورأى البعض الاخر خضوع القابلية للتحكيم للقانون الذى يحكم الموضوع وهو ما إنتقد بأنه لا سند لهذا القانون فى الاختصاص بهذه المسألة التى هى من مقومات صحة الاتفاق التحكيمى ذاته التى لا تخضع بحال للقانون الذى يحكم الموضوع وأنه يجب عدم الخلط بين قابلية النزاع للتحكيم كما فصل فيها المحكمون وبين قابلية النزاع للتحكيم كما عرفها الاطراف فى إتفاق التحكيم ، ورأى فريق ثالث من الشراح أن قابلية النزاع للتحكيم تخضع لقانون البلد الذى تختص محاكمه بنظر النزاع لو لم يتفق الاطراف على الالتجاء الى التحكيم وهو ما انتقد بأ ن الاطراف وهم يتفقون على الالتجاء الى التحكيم إنما
وبالرجوع الى إتفاقية جنيف الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الاجنبية " المبرمة فى سنة 1927" تنص فى الفقرة (ب) من المادة الاولى منها على أنه " يلزم للإعتراف بالحكم وتنفيذه أن يكون موضوع الحكم قابلاً للفصل فيه بطريق التحكيم طبقاً لقانون البلد الذى يتمسك به فيه "
وتقضى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك بأنه " يمكن رفض الاعتراف بحكم المحكمين وتنفيذه إذا ما ثبت للسلطة المختصة فى البلد المطلوب الاعتراف والتنفيذ فيه أن موضوع النزاع غير قابل للفصل فيه بطريق التحكيم طبقاً لقانون هذا البلد "
وتقضى الفقرة الثانية من المادة السادسة من الاتفاقية الاوربية الخاصة بالتحكيم التجارى الدولى بأنه " للقاضى المطلوب منه النظر فى وجود إتفاق التحكيم وصحته أن يرفض الاعتراف بإتفاق التحكيم متى كان النزاع غير قابل للتحكيم طبقاً لقانونه " (2)
وواضح أن هذه النصوص من الاتفاقيات الثلاثة تخضع قابلية النزاع للتحكيم لقانون القاضى المطروح لديه النزاع وذلك لتعلق هذه المسألة بالنظام العام فى بلده ، وهذه قاعدة إسناد ظاهرة البساطه ولكن بعض الشراح يرى أنه يعيبها ما يترتب عليها من عدم الاطمئنان على مصير التحكيم فى الحالات التى لا يمكن فيها التعرف مقدماً على البلد الذى يعرض على محاكمها النزاع ، يضاف الى ذلك أن هذه الاتفاقيات الثلاثة لا تقصر الاختصاص التشريعى بمسألة القابلية للتحكيم على قانون القاضى ، وذلك لأن مشروعية المحل فى إتفاق التحكيم _ وأخص عناصرها هى قابلية النزاع للتحكيم _ هى شرط من شروط صحة الاتفاق التى تخضع طبقاً لنصوص هذه الاتفاقيات لقانون الارادة أو بديله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) د / عز الدين عبد الله : تنازع القوانين فى مسائل التحكيم ، مرجع سابق ، صـ 47 وما بعدها .
(2) د / ناريمان عبد القادر ، المرجع السابق الاشارة اليه ، صـ 354 .
المواد (1) فقرة (1) من إتفاقية جنيف سنة 1927 ، المادة 5/1 بند أ من إتفاقية نيويورك سنة 1958 ، والمادة 6/2 بند أ من إتفاقية جنيف سنة 1961 .
وأخيراً يثور تساؤل عن تكييف مسألة القابلية للتحكيم من وجهة نظر القانون المصرى الواقع أن هذا التساؤل لم يحظ بعناية خاصة من الفقه المصرى ، رغم أنه كان محل إهتمام من جانب الفقه المقارن الذى إختلف كثيراًفى هذا الصدد نظراً لأن عدم قابلية النزاع للتحكيم يعتبرها فى عدد من الانظمة القانونية المقارنة سبباً لبطلان التحكيم ، أو بالاحرى لبطلان إتفاق التحكيم ، ومن زاوية أخرى فإن عدم القابلية للتحكيم إذا ما تقرر أو قضى به من شأنه على وجه التأكيد أن يجرد إتفاق التحكيم من أثره السالب للإختصاص القضائى لمحاكم الدولة وكذلك فعدم القابلية للتحكيم يمكن أيضاً أن يكون سبباً لبطلان حكم التحكيم ، وإذاكان هذا الحكم أجنبياً فعدم القابلية للتحكيم يمكن أن يكون سبباً لرفض تنفيذ هذا الحكم فى الدول المستقبلية له (1)
ويتبنى قانون التحكيم المصرى الجديد رقم 27 لسنة 1994 إعتبار قابلية النزاع للتحكيم شرطاً من شروط صحة إتفاق التحكيم ، حيث أنه نص فى المادة (11) منه والذى تضمن التحكيم فى المسائل التى لا يجوز فيها الصلح ، وقد ورد هذا النص فى الباب الخامس بإتفاق التحكيم وضمن الشروط المستلزمة لصحة هذا الاتفاق ويعتبر ذلك تعبيراً وأضحاً من جانب المشرع المصرى على تكييف مسألة القابلية للتحكيم على أنها شرط من شروط صحة إتفاق التحكيم (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / أحمد حسان حافظ مطاوع ، المرجع السابق الاشارة اليه ، صـ 397 وما بعدها .
(2) د / ناريمان عبد القادر ، المرجع السابق الاشارة اليه ، صـ 246